أخبرنا ربنا أيضاً أن كل من يتوفاهم الله ثم يرد إليهم أنفسهم كقصة أهل الكهف الذين ردت عليهم أنفسهم بعد ثلاثة قرون و غيرها كثير، كلهم يقولون مكثنا يوما أو بعض يوم أى عدة ساعات! و فى حديث آخر يقول الله إن يرسل الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما نعد اليوم. وفى حديث أن الملائكة والروح تعرج إليه فقط فى يوم مقداره خمسين ألف سنة! فإذا ما نظرنا لكل هذه المشاهد على جملتها فإننا نخرج منها بأن عالمنا المادى بما فيه من زمان و مكان ليس هو الحقيقة الكاملة، بل هو مجرد إسقاط لعالم أشمل و أوسع ليس من حيث الحيز بل من حيث المنطق و الإمكانيات، عالم تكون فيهه الحقيقة كاملة، و الذى يكون فيه الزمان و المكان معرفان بشكل مختلف! وهنا مثال توضيحى لما قصدته، فإذا تخيلنا أن الكون كله كصفحة فى كتاب أو جريدة و أن كل ما فيه من مخلوقات تعيش على صفحة هذه الجريدة. أى أن من عليها يستطيعون أن يروا يمين و يسار أمام و خلف و لكن لا يمكنهم اختراق كونهم بالنظر لأعلى أو لأسفل فمسارات الضوء تمشى فقط داخل حيز الصفحة، فهنا نقول أن هذه المخلوقات ثنائية الأبعاد. و الآن دعنا نتخيل أن كرة قد سقطت على عالمهم هذا مخترقة صفحة الجريدة فماذا يرونها هم؟ هم سيرونها كنقطة ظهرت على صفحة الكون ثم تصبح هذه النقطة دائرة آخذة فى التمدد حتى تصل إلى ذروتها ثم تنحسر شيئاً فشيئاً حتى تصبح نقطة مرة أخرى ثم تختفى تماماً! هل ما رأوا هو الحقيقة كاملة؟ أم أن هذا ما يسمح به إمكانات عالمهم. أما بالنسبة لنا و نحن كائنات أعلى منهم نرى فى ثلاث أبعاد و ليس بعدين فقط مثلهم نستطيع أن نرى حقيقة الحدث. فوقتما ظهرت النقطة الأولى كان هذا وقت تلامس الكرة للصفحة و كلما انغمست الكرة أكثر تتمد النقطة لتصبح دائرة تكبر شيئاً فى شئ حتى تخترق الكرة بنصف كامل تكون الدائرة أكبر ما يمكن ثم تبدأ الكرة فى الهبوط أكثر فتنحسر الدائرة الظاهرة على صفحة الجريدة. ثم تصبح نقطة مرة أخرى عند تلامس الجريدة و الكرة مرة أخرى.هذا الفرق الكبير لتصور نفس الحدث ناتج عن ممكنات التصور فى عالمين مختلفين أحدهما ثنائى الأبعاد و الآخر ثلاثى. هذا تماماً ما ينطبق علينا فنحن فى أجسامنا المادية ثلاثية الأبعاد، فكل خبراتنا الجسمية تخضع لقوانين ثلاثية الأبعاد فا نظر إلى حواسك الخمسة التى تتعرف بها على الكون ستجدها كلها تتعامل مع الكون ثلاثى الأبعاد "الكون المادى". فإذا بالعلم يكشف لنا أننا نعيش فى كون رباعى الأبعاد بإدخال الزمن كبعد رابع كما فصلت هذا النظرية النسبية، بل أن هناك نظريات ترى بخماسية الأبعاد و أخرى بأكثر من ذلك حتى أن بعضها يرى أننا نعيش فى كون لانهائى الأبعاد. فترى هل توصف الحقائق فى هذه الأكوان كما نراها فى كوننا المحدود من حيث عدد الأبعاد و ليس الحيز المكانى؟ فهل الحقيقة تنكشف لحظة الموت عندما تتحرر النفس من الستر المادى لكينونتها؟ ألهذا الكون دور فى تصورنا الحالى و هذا ما جعلنا نرى صورة قاصرة و صورة غير مكتملة؟ و الآن لنبدأ القصة التى نعرفها عن الإنسان الذى نعرفه و الذى فقد إرثه المعرفى القديم و الذى سنتعرض لأسباب فقده إياه فى موضعه. الإنسان كائن إجتماعى يتعرف على ما حوله، يريد أن يعرف صلته بالآخرين و قد طور هذه الصلات حتى أنشأ المجتمعات و الدول. حتى عندما يفقدإنسان إنساناً عزيز عليه فإنه يفكر أهكذا إنتهت صلته به، أم لا؟ فإذا ظن فى الإنتهاء، فإنه يراه فى رؤيا تجعله يعيد النظر فى ظنه بإنتهاء صلته بمن فقد! لم يقف التساؤل فقط فى حيز الصلة بمن يعرف من إخوانه البشر بل إمتد إلى ما هو أبعد... الكون! ما صلتنا به و ما صلته بنا و هنا بدأ الإنسان أن يشعر بضآلته، فإذا ما فكر فيمن خلق الكل شعر أكثر بالضآلة، و ماذا كان قبل وجود الكون وهل سينتهى كما تنتهى كل الأشياء، و ما بعد إنتهائه؟ و لِما كان كل هذا؟ وهنا يعترف الإنسان مرة أخرى بمحدودية معرفته، وما من سبيل إلا باللجوء لمن خلق ليمده بالمعرفة الحق و هنا تكون الولاية و النبوة. و لما مَّن الخالق علينا بالمعرفة بما أوحى إلى رسله ممن صبروا و أيقنوا، كانت النظرة أكبر بكثير مما يستطيع الإنسان إدراكه و هنا علم الإنسان أنه ليس بمفرده و أنه ضمن خلق آخر كل له منهج و وظيفة فكان الإنس و الجن و الملائكة... وهنا أردنا أن نعرف عن هذا الخلق الآخر، ما صلتنا به وما صلتنا به كما حددها من خلقنا جميعاً. هل أراد لنا الخالق العزلة! إذاً فلم خبرنا بهم كما أنهم يرونا من حيث لا نراهم! فلو كانت العزلة هى الأصل لما خبرنا عنهم و ما خبروا عنا. و لكن هناك سؤال آخر محير.. لقد أخبرنا الخالق أن بداية الإنسان و خلافته على الأرض كان بدايته بخلق آدم عليه السلام و حديثه مع الملائكة ثم خلق زوجه و قصة خروجهما من الجنة. إذاً لقد بدأ الإنسان بمعرفة تامة بمن خلقه و بالملائكة. أما موطن الشر و الحقد الكامن فى أحد المخلوقات ألا و هو إبليس الذى غرته نفسه بالإثم فعصى الإله الذى خلقه و تمرد على حكم الإله بإعطاء الخلافة فى الأرض لآدم، و هنا توعد إبليس بالتربص لآدم و بنيه من بعده ليبعدهم عن طريق الإله، على أن يذره الإله ما عمر آدم و بنيه فى الأرض و قد أعطاه الإله شيئا مما طلب بحكمته، و كان من المنظرين إلى اليوم المعلوم. و قد نجح إبليس فى تزيين أول معصية ارتكبها آدم و زوجه. نستخلص من هذا أيضا أن آدم كان على دراية بما خلق الإله من جن و الذى كان إبليس واحد منهم.بل امتد المدد الإلهى ليعرف البشر عن أنفسهم ما لم يكونوا يعلمون و لا سبيل لهم لذلك! فحدثنا عن ملكه و ملكوته و عن عالم أزلى تنعدم فيه الأسباب شهدنا فيه للإله بالواحدانية، فيها يكمن سر التكليف و الوجود. و عن عالم أبدى شبيه ترد إليه أنفسنا فيه تعرض الجنة و النار و تنكشف فيه الحقيقة كاملة، أما عن دنيانا السببية التى نحياها محجوبون فيها بسترى المكان و الزمان الماديين عن الحكمة الإلهية. إشارات عديدة ليتعرف فيها الإنسان على نفسه و ليعرف ربه. إشارات أخرى بأن لنا حياتان و موتتان، فمتى و كيف؟ أما عن السؤال المحير، لما كان الإنسان الأول على علم و دراية كاملة بنفسه و بما حوله، فماذا حدث بعد ذلك، و كيف فقدت البشرية هذا الإرث المعرفى العظيم و فقدت الطريق. مما أدى إلى الخلط بين عالمين لا يختلطان و لا ينسجمان مهد إلى أفكار إلحادية و كفرية، كالنشأة الأولى و التخيير و التسيير و المشيئة و القدر. أسئلة كثيرة بدون أجوبة و اضحة أو أكيدة. فهل لها إ شارات إلهية نحن عنها غافلين؟ الحقيقة أن أدعياء الإلحاد يرون أن الأديان حالة من الدروشة و التغيب يلجأ إليها الفقراء ليبرروا فقرهم و جهلهم، أما المجتهدين الذين يعملون عقولهم فلا حاجة لهم بهذه الأديان و لا برب الأديان. فالعلوم التجريبية و النظريات العلمية كافية للوصول إلى الحقيقة. و الحقيقة عندهم أن الكون بدأ بمحض الصدفة من مادة مكدسة عالية الحرارة ذات كثافة لانهائية فى حيز متناهى الصغر و بإنفجار هذه المادة أخذ الكون فى التمدد و البرودة و تطور إلى ما هو عليه الآن من مجرات و نجوم و كواكب و هذا السيناريو هو ما تنبأت به نظرية "الإنفجار العظيم" على النقيض كان على الجانب الآخر نظرية أخرى "حالة السكون" ترى بأن الكون كان على ما هو عليه الآن منذ الأزل و من المثير فى هذه النظرية أنها تسمح بوجود خلق من العدم و هذا مخالف تماماً لأحد أساسيات الفيزياء و هو قانون بقاء الطاقة. إلا أن الأرصاد الكونية قد أيدت نظرية الإنفجار و تم إسدال الستار على النظرية المضادة منذ ذلك الحين. أما عن العلوم و النظريات الفيزيائية فهناك أيضاً فلسفتان متضادتان هما النظرية النسبية العامة و نظرية الكم، و يبدو أن عالمنا الكونى يسيطر عليه أربع قوى كونية أحدهم هى الجاذبية التى نجحت النظرية النسبية العامة فى و صفها إلى حد كبير من الصحة و هناك ثلاث قوى أخرى هم الكهرومغناطيسية و المجال النووى الضعيف و المجال النووى القوى و التى نجحت نظرية الكم فى وصفها إلى حد بعيد بل و وحدتهم فى مجال واحد يسمى المجال الموحد الكبير. إلا أن مساعى علماء الفيزياء لتوحيد القوى الأربع قد باءت كلها بالفشل حتى الآن. من الواضح أن العلم البشرى قد وصل إلى درجة عالية من الإكتشافات يعتز بها كل إنسان و كأنه هو الذى خلقها. فالدقة الحسابية فى وصف المادة على المستوى الكونى من مجرات و أجرام سماوية فى جهة و فى وصف المادة على المستوى الجزيئى و الذرى على الجهة الأخرى ناهيك عن العلوم الرياضية التى قد تطورت بشكل و اسع جداً لتستوعب هذا الكم المعرفى الهائل قد مكن الإنسان من تطبيق هذه المعرفة فى مجالات عدة كتكنولوجيا الفضاء و الإتصالات و الهندسة الوراثية و الكمياء و الطب و غيرها من مجالات التكنولوجيا. جيوش من العلماء و الباحثين اجتهدوا و اكتشفوا و دققوا و طوروا و لكن هذا الكم الهائل من المعرفة المادية ينقصه الكثير و الكثير من المعرفة الروحية. و لا تنبهر بما تقراء عن المعرفة الإنسانية فهناك الكثير من التناقضات العميقة بين النظريات العلمية بعضها و بعض التى يعرفها فقط علمائها المتخصصون و التى ستظل بدون حل إذا ما بقيت هذه العلوم المادية بمعزل عن العلوم الروحية. و هذا ما يلزم لسد الفجوات العميقة بين النظريات العلمية و الوصول بها لتمام المعرفة البشرية الحق. يحاول العلماء الماديين تصوير هذا و كأنه درب من التخلف و أن هذا سيرجع بنا إلى الوراء لعصور الكهانة و السحر و هذا ما أقنعوا به الخاصة و العامة حتى إنك الآن ما أن سمعت لأحد ر جال الدين الذين يتكلمون عن و جود ملائكة أو جن فإنك تشعر بالإنكار داخلك فالمعرفة أصبحت مادية محضة حتى أن البعض أصبح يستحيى أن يذكر هذه الأمور الغيبية، إلا أن البعض الآخر من العلماء المتخصصون قد يأسوا من طرق العلم التقليدية و يؤمنون أننا بحاجة لثورة فكرية فى العلم و ليس فقط معالجات للمشاكل الناتجة عن النظريات العلمية. الحاجة الآن لتوحيد النظرة للمادية و الروحية أكثر من أى وقت آخر ولا يستبعد البعض هذا فقد كانت المادة و الطاقة فى نظر العلماء طبيعتين منفصلتين حتى تم توحيد النظرة لهما فى إطار النظرية النسبية الخاصة و قد كانت الطبيعة الموجية للأشياء و الطبيعة الجسيمية طبيعتان متضادتان فى نظر كبار علماء الفيزياء المتخصصون عباقرة زمانهم حتى و حدها أحد الكونتات الصغار و هو دى برولى فى مبدأ الإزدواجية و الذى كان العلماء يسخرون منه على أنه أحد أغنياء الطبقة الأروستقراطية و يهزؤن بما قال، حتى أقر مبدأه هذا العالم الفيزيائى الأشهر أينشتين بل و فسر به الكثير من الغموض و الأسئلة التى كانت بلا حل فى وقتهم وهنا انتبه المجتمع العلمى لهذا المبدأ و أقره بل أنه أصبح أحد أركان الفيزياء الحديثة. حتى اينشتين ننفسه قد تعرض لنفس السخرية من المجتمع العلمى عندما نشر نظريته النسبية الخاصة و من الغريب أن اينشتين لم يأخذ جائزة نوبل عن نظريتية النسبية الخاصة أو العامة بل عن تفسيره لأحد مشاكل نظرية الكم التى كان غير مقتنع بها، مما يفيد بأن المجتمع العلمى لم يكن قد استصاغ نظريته بعد! و هناك الآن بعض الإتجاهات و النظريات التى تنادى بشمولية النظرة للكون بما يحتويه من طاقة مادية و روحية. قصة الإنسان مع العلم و المعرفة التراكمية كبيرة يحاول بعض العلماء سحبها فى اتجاهات معينة يصرف فيها المليارات بالرغم من أنها بلا طائل باعتراف الكثير من العلماء أنفسهم. و كم من مشاريع على نفس المنهج قد تمت و لم تحقق شيئاً، فهل هذه المشاريع تغطية لمشاريع علمية أخرى غير معلنة؟ فى الوقت الذى يرفض فيه هؤلاء العلماء نشر أى بحث فى غير هذه الإتجاهات مبررين ذلك فى المؤتمرات الدولية بأنهم حاولوا فى هذه الطرق من قبل دون فائدة، و كأنهم آلهة العلم. وبهذا يظل الباحث تحت و صاية فكرية مضطر لتبنى أفكار هذه المدرسة أو تلك حتى يتمكن من نشر أبحاثه و يظل فى وظيفته "البحثية". فهل يفيق علماء هذا الزمان من الغيبوبة الفكرية التى يعيشونها و يصبح العلم ساحة واسعة تقبل كل الأفكار حتى يحقق غايته المرجوة منه و هو التعمق فى المعرفة الآهية و زيادة معرفتنا بإلاهنا. و إذا تشكك أحد فيما تحدثت به أو قال أن هناك مبالغة و أن الدنيا أبسط من ذلك فاعلم يا أخى أن هذا كان وعد إبليس لرب البرية وأن إبليس يخطط و ينفذ خططه الشيطانية فإذا كان أشرارنا يخططون و ينفذون على مدى عمرهم القصير و ما منا و إلا له خبرة بهذا فى مجال العمل أو السكن أو حتى فى المحيط العائلى فما بالك بخطط إبليس أشر الخلق و أكثرهم حقداً على بنى آدم على مر آلاف السنين، أوليس من المنظرين! و إذا كنت مازلت من المتشككين فسأضرب لك مثلاً بسيطاً فى مجال التاريخ و الحضارة التى يدعى علماؤها أن الإنسان بدأ معرفته الأولى من الصفر منعدم الخبرة ثم بدأ ينمى خبراته شيئاً فشيئاً و طورها فبدأ من عبادة الشمس و القمر و الكواكب و النجوم و قوى الطبيعة و الأرواح الشريرة وأقروا بأن الإنسان الأول فى كل الحضارات كانت حضارته معتمدة على السحر و الخرافات و الأساطير ثم تطورت معرفته حتى وصل إلى الإله الواحد، أوليس هذا عين الضلال؟ ونحن نعلم أن آدم عليه السلام أول البشر كان على علم كامل بالإله الخالق. مثالاً آخر و هو إدعاء أن الإنسان الأول هو أحد حلقات التطور، أى أن الإنسان الأول يأتى من سلالة أقل مهارات ألا و هى القردة العليا، أليس هذا أبعد ما يكون عما أخبرنا به الإله؟ و حتى بعد أن أثبتت علوم الهندسة الوراثية عدم صحة هذه الفرضية، و أن المادة الوراثية المكونة لكل مخلوق مختلفة تماما من حيث عدد الكروموسومات بحيث لا تسمح بفرضية التطور، فلماذا المكابرة و التطاول على ما أخبرنا به من خلق، أهم الذين خلقوا أم الله؟ و لتعرف مدى تأثير هذه الإدعات على عقل الإنسان العادى، فانظر لنفسك فستجد أنك تقبل هذه الإدعاءات بل و ترددها دون وعى منك أو دون ربطها بما أخبرك به الله.